چکیده

متن

عنوان مقاله: الاستبصار فی النص علی الأئمّة الأطهار

نویسنده : کراجکی، ابوالفتح محمدبن علی بن عثما

مصحح : اسلامی یزدی، محمد

تمهید

الحمدُ للّه‏ ربّ العالمین، والصلاة والسلام على خاتم الأنبیاء والمرسلین، محمّد الصادق الأمین، وعلى الأئمة المعصومین من أهل بیته الطاهرین.

وبعد، فإن البحث فی أهمیّة الحدیث، کالبحث عن الشیء الضروریّ البدیهیّ الذی لا حاجة لإقامة البرهان والدلیل علیه، فإنه لم یختلف المسلمون فی کونه الدلیل الثانی للمعارف الإسلامیة، أصولاً وفروعا.

ومن تلک الأصول مبحث (الإمامة) الثابتة بالأدلّة العقلیّة والنقلیّة.

وکتاب الاستبصار فی النصّ على الأئمّة الأطهار هو أحد المئات من الکتب المؤلّفة فی هذا الموضوع، حیث یتضمن ما ورد من طریقی الخاصّة والعامة النصّ على ولایة الأئمّة الاثنی عشر صلوات اللّه‏ علیهم. وهو جیّد فی أسلوبه، ففیه الفائدة الکثیرة بعبارات موجزة، وبیان واضح، وبرهان قویم.>

ویعدّ مع اختصاره من المصادر التی أخذ عنه جلّ من أَتى بعده(1).

المؤلف:

هو أبو الفتح محمّد بن علیّ بن عثمان الکراجکیّ المتوفّى سنة (449 ه).

الکراجک :

قریة على باب واسط، وقیل أیضا: قریة من قرى حلب. ولکن المؤلف ینسب إلى (الکرجک) بفتح الکاف وتخفیف الراء، وکسر الجیم ثم کاف ـ نسبة إلى عمل الخِیَم ، کما فی لسان المیزان(2).

کما ینسب إلى طرابلس الشام، فیوصف بالطرابلسیّ لإقامته فیها مدّة طویلة(3)، وبالصوریّ نسبة إلى مدینة (صور) اللبنانیّة الساحلیّة، إذ أَقام فیها، وفیها توفّی ودفن(4).

ولادته ووفاته:

لم یذکر التاریخ شیئا عن ولادته، متى کانت وبأیّ بلد کانت؟!

وأمّا وفاته فقد اتّفقت کلمة مؤرّخیه على أنه توفی سنة 449 ه .(5)

______________________________

1 . بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 35

2 . لسان المیزان ، ج 5 ، ص 300

3 . بحار الأنوار ، ج 105 ، ص 76، و ج 102 ، ص 263 هامش للمعلق

4 . طبقات أعلام الشیعة (القرن الخامس) ، ج 2 ، ص 177

5 . مقدمة کنز الفوائد ، ج 1 ، ص 12 و 13

شخصیته العلمیّة:

والکراجکیّ: من أئمّة عصره فی الفقه والحدیث والکلام والفلسفة والطب والفلک والریاضیات وغیرها.

وقد أطراه عدد من مترجمیه المخالف والمؤالف فوصفوه بالشیخ المحدّث، الفقیه، المتکلّم، المتبحّر الرفیع الشأن(1)، وهو من أکابر تلامذة الشیخ المفید والسید المرتضى والطوسیّ، والدیلمیّ والواسطیّ وسلاّر وأبی الحسن بن شاذان القمّیّ، وهو من أجلّة العلماء والفقهاء والمتکلمین، وأسند إلیه جمیع الإجازات(2).

ویعبّر عنه الشهید الأول کثیرا فی کتبه بـ «العلاّمة» مع تعبیره عن العلاّمة الحلّیّ بالفاضل(3).

رحلاته العلمیّة:

دخل ـ فی طلب العلم ـ إلى بغداد سنة 399 ولقی بها المشایخ الکبار کالشیخ المفید والمرتضى وغیرهما، کما رحل إلى القاهرة سنة 407، وحجّ بیت اللّه‏ الحرام سنة 412 وفیها لقی الشیخ أبا الحسن محمّد بن أحمد بن علیّ بن الحسن بن شاذان القمّیّ وروى عنه روایات کثیرة أوردها فی هذا الکتاب وفی کتابه (کنز

______________________________

1 . تاریخ الإسلام للذهبیّ وفیات سنة449 ص236 ؛ العبر ، ج 3 ، ص 22 ؛ مرآة الجنان للیافعیّ ، ج 3 ، ص 70

2 . الوافیبالوفیات ـ للصفدیّ ، ج 4 ، ص 130 ؛ بحارالأنوار ، ج 1 ، ص 35 ؛ أمل‏الآمل ، ج 2 ، ص 287 و 857 ، مقابس‏الأنوار للتستری ، ص 9

3 . الکنى والألقاب ، ج 3 ، ص 94 ؛ معجم رجال الحدیث ، ج 16 ، ص 376 ؛ طبقات أعلام الشیعة : ج 2 ، ص 177

الفوائد).>

ودخل طبریّة وحلب وطرابلس سنة 436 ه وألّف بها جملة من کتبه.

ودخل صیدا وصور سنة 441 حتى وفاته.

أساتذته وتلامذته:

درس على مشایخ فی الفقه والحدیث والکلام وغیرها وذکرهم العلاّمة المحقّق السیّد عبدالعزیز الطباطبائی قدس‏سره وعدّهم فی مقدمة نشرت فی مجلة تراثنا العدد 43 ـ 44 لرسالة مکتبة العلاّمة الکراجکی لأحد معاصریه.

وأمّا تلامذته، فلم تشر مصادر ترجمته إلاّ إلى قلّة منهم وهم سبعة کما فی مقدمة الرسالة المذکورة.

مؤلفاته:

والعلاّمة الکراجکی صاحب التصانیف الکثیرة التی بلغت حسب إحصاء أحد معاصریه واستدراک العلاّمة الطباطبائی قدس‏سره إلى مائة کتاب وعشرة کتب فی مختلف العلوم الإسلامیّة والفنون الأخرى کالفقه والأصول والحدیث والکلام والفلسفة والأدب والتاریخ والرجال والتفسیر والفلک والریاضیات وغیرها.

الکتاب:

للکتاب خمس نسخ، أربع منها خطیّة، وهی:

1 ـ نسخة مطبوعة على نسخة کانت فی مکتبة المرجع میرزا محمد حسن الشیرازیّ المتوفى سنة 1312 ه ، وکانت کتابتها قبل سبعة قرون من طباعتها.>

2 ـ مخطوطة مکتبة آیة اللّه‏ المرعشی رحمه‏الله فی المجموعة رقم 3694 الرسالة السادسة من ص 37 إلى ص 47.

3 ـ مخطوطة دار الکتب الوطنیّة بتونس برقم 18569 فی 17 ورقة، وعنها مصورة فی معهد المخطوطات العربیة(1).

4 ـ مخطوطة مکتبة الشیخ هادی کاشف الغطاء فی النجف الأشرف(2).

5 ـ مخطوطة مکتبة مجلس الشورى الاسلامی فی طهران فی المجموعة رقم 4566 وتاریخ کتابتها سنة 960 ه .

وطبع فی النجف، المطبعة العلویّة سنة 1346 باسم (الاستنصار) وطبع ببیروت فی دار الأضواء 1409 فی 97 صفحة بالأفست علیها.

الاختلاف فی تسمیة الکتاب

للکتاب اسمان: أولهما: «الاستنصار فی النصّ على الأئمّة الأطهار».

وإلیه أشار السید ابن طاووس فی «کتاب الیقین» عند نقله روایة واحدة من الکتاب فقال: فیما نرویه من کتاب «الاستنصار فی النص على الأئمّة الأطهار تألیف الفقیه الفاضل محمّد بن علی بن عثمان الکراجکیّ(3).

______________________________

1 . معجم ما کتب عن الرسول وأهل البیت ، ج 5 ، ص 177

2 . معجم ما کتب عن الرسول وأهل البیت ، ج 5 ، ص 177

3 . الیقین باختصاص مولانا علی علیه‏السلام بأمرة المؤمنین ، ص 374

وکذا ذکره الشیخ الحر العاملیّ فی أمل الآمل عند ترجمته للکراجکیّ> (1).

وأَشار إلیه أیضا العلاّمة المجلسیّ عند ذکره لمصادر بحار الأنوار، وهو تبع لبعض النسخ منه مثل النسخة التی طبع الکتاب علیها(2).

وثانیهما: «الاستبصار فی النصّ على الأئمّة الأطهار».

وهو الذی ذکره أحد معاصریه فی رسالته لفهرست مصنفات الشیخ الکراجکی، التی حققها واستدرک علیها العلاّمة المحقّق السیّد عبدالعزیز الطباطبائی قدس‏سره برقم «28»(3).

وکذلک ذکرهما العلاّمة آقا بزرک الطهرانی فی کتابه «الذریعة إلى تصانیف الشیعة» بالعنوانین مرجحا عنوان «الاستبصار فی النصّ على الأئمّة الأطهار» بقوله: وعلیه لعلّ الأوّل الذی أثبته المعاصر فی فهرسه أثبت(4).

وأیضا ذکر عنوان «الاستبصار» کل من الشیخ عبداللّه‏ نعمة فی مقدمته على کتاب «کنز الفوائد» للکراجکی، والاُستاذ عبدالجبار الرفاعی فی معجم ما کتب عن الرسول وأهل البیت(5).

ونحن نختار عنوان «الاستبصار» للکتاب تبعا لما رجّحه العلاّمة آقا بزرک الطهرانی واختاره العلاّمة المحقّق الطباطبائی.

______________________________

1 . أمل الآمل ، ج 2 ، ص 287 رقم 857

2 . بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 18

3 . مجلة تراثنا العدد 43 ـ 44

4 . الذریعة إلى تصانیف الشیعة ، ج 2 ، ص 34

5 . معجم ما کتب عن الرسول وأهل البیت ، ج 5 ، ص 177

أهمیّة الکتاب

یعتبر کتاب «الاستبصار فی النص على الأئمّة الأطهار» عند أصحابنا المحدّثین من الکتب الحدیثیّة المعتمدة، فقد ذکر السیّد ابن طاووس قدس‏سره فی کتاب «الیقین» بقوله: «فیما نذکره ونرویه من کتاب الاستنصار فی النصّ على الأئمّة الأطهار. تألیف الفقیه الفاضل محمّد بن علی بن عثمان الکراجکی، وجدنا فیه حدیثا واحدا، رواه من طرق العامّة فی تسمیته صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ، لعلیّ علیه‏السلام : «بسید المسلمین وأمیرالمؤمنین ... الحدیث(1)».

وکذا قال العلاّمة المجلسی فی بحار الأنوار: «وأمّا الکراجکیّ فهو من أجلّة العلماء.... العلماء والفقهاء والمتکلمین، وأسند إلیه جمیع أرباب الإجازات، وکتابه «کنز الفوائد» من الکتب المشهورة أخذ عنه جلّ من أتى بعده وسائر کتبه فی غایة المتانة»(2).

هذا ومن راجع فصول الکتاب یدرک إحاطة المؤلف بالأحادیث الخاصّة فی النّص على الأئمّة الأطهار، فإنه خصّص بابا للنصوص المنقولة عن الخاصة، وبابا فی النصوص المنقولة عن العامّة، وبابا فی النصوص المنقولة عن التوراة، وبابا فی خبر قَسّ بن ساعدة الإیادیّ الذی مات قبل الإسلام.

ومن أراد التوسعة حول الموضوع فلیراجع کتب الحدیث الخاصّة بموضوع الولایة، فإنه یجد الکتاب مصدرا قیما ومعتمدا، وکفاه فخرا.

______________________________

1 . الیقین باختصاص مولانا علی علیه‏السلام بإمرة المؤمنین ، ص 374

2 . بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 30

صفحه‏اول نسخه خطى الاستبصار فی النص على الأئمة الأطهار نسخه شماره 4566 کتابخانه مجلس شوراى اسلامى

الحمد للّه‏ الذی أَوضح سَبیل الحقِّ وأبانه، وأَقامَ علیه دلیلَه وبرهانه، ولطف فی الهدایة إلیه والتعریف، وأَزاح العلل فی جمیع التکالیف، وجعل العقل فی خلیقتهِ حجّةً وعیارا، ونصب الشرع لبریّته مَحَجّةً ومنارا، حکمةً منه وعدلاً، ورحمةً من لدنه وفضلاً.

وصلواته على المبعوث منه رحمةً لعباده، المبلّغ عنه حقیقةَ مراده، حجّةً على من بین السماء والأرض، وأمینه على تأدیة النفل والفرض، الذی بتثقیفه تقوّمت الألبابُ، وبتوفیقه عرف الحقّ والصواب، محمّد خاتم النبیّین وسیّد المرسلین، وعلى أهل بیته الأئمّة الأطهار أئمة الأعصار(1)، الذین أَوجب معرفتَهم ربُّ العالمین، وافترضَ طاعتَهم على الخلقِ أجمعین، وقدّمهم على جمیع الأَنام، فأنطق بفضلهم الخاصّ والعامّ، وتحیّاته وسلامه.

قد علمتُ حِرصَک ـ أیّدک اللّه‏ ـ على العلم واجتهادَک، وعرفتُ منزلتکَ من

______________________________

1 . من نسخة المطبوع .

الفهم وانتقادک، وما تحثّک نفسُک علیه، وتدعوک همّتُک إلیه، من نُصرة الحقّ ومعتقدیه، وإقامة الحجّة على مخالفیه ومنکریه، واللّه‏ یُحسنُ لک التوفیقَ والتسدید، ویُدیمُ لک المعونة والتأیید.>

ولمّا بلغنی ما جرى بینک وبین خصمک من المناظرة فی الإمامة، ومطالبته بذلک بإیراد النصوص على أعیان الأئمّة، وتعجّبه من القطع على أ نّهم صلوات اللّه‏ علیهم اثنا عشر، واستبعاده أنْ یصحّ فی ذلک ورودُ خبرٍ، عَمِلتُ لک هذا الکتاب حجّة وعمدةً، وجعلت ما أَودعتُه من النصوص ذخیرة وعدّةً، لیُشدّ به عضد الولی المؤالف، ویُکبتَ بمضمونه قلب العدوّ المخالف، حسب ما یلزمنی لک من الحقّ الواجب، ویتعیّن علیّ فی نُصرة المحقّ من الفرض اللاّزب، عند وجود التیسیر والاختیار، وعدم التعذّر والأعذار، وباللّه‏ أستعین.

اعلم ـ أیّدک اللّه‏ وأرشدک إلى ما یرضیه، وأحسنَ لک العَون على ما تبتغیه ـ أنّ اللّه‏ جلّ اسمه قد یسّر لعلماء الشیعة من وجوه الأدلّة العقلیّة والسمعیّة على صحّة إمامة أهل البیت ـ صلوات اللّه‏ علیهم ـ ما تَثبت ببعضه الحجّةُ على مخالفیهم، کلّ فن منها یرشد المثبتَ إلى أصله، وکلّ نوع یورد المتمسّک على جنسه.

فالعقلیّات دالّة على الأصل من وجوب الحاجة إلى الإمام فی کلّ عصر، وکونه على صفاتٍ معلومة یتمیّز بها عن جمیع الأمّة، لیست موجودةً فی غیر من أشاروا إلیه، ولا مُدَّعاة بسوى من اعتمدوا علیه.

والسمعیّات: منها «القرآن» الدالّ فی الجملة على إمامتهم وفَضلهم على الأنام.

ومنها «الأخبار» الواردة فیهم بالنصّ والتعیین علیهم.

فأمّا النصّ من ذلک المختصّ بإمارة أمیر المؤمنین علیه‏السلام دون غیره ممن یلیه، فقد عمّت معرفتُه واشتهرت، وتردّدت الأقوال فیه وتکرّرت، وعرف العدّو والولیّ احتجاج الشیعة بالخفیّ منه والجلیّ.>

وأمّا النصّ على جمیع الأئمّة ـ صلوات اللّه‏ علیهم ـ ، والنقل الوارد بوجوب الإمامة فیهم، والإشارة بالخلافة إلیهم، فإنیّ مثبت منه طرفا فی هذا الکتاب، مقنعِا لذوی البصائر والألباب، (تکون أصلاً)(1) یَسْتَبصرُ به الناظرُ، وعونا یستنصرُ به المُناظر، إن شاء اللّه‏ تعالى.

فأقول: إنّ العقولَ الکاملة والألبابَ السالمة ناطقةٌ صادقة بأ نّه إذا اتّفق المتضادان فی النقل على خبر، وتوارد المتباینان فی العقل بأثر، فإنّ خبرهما الذی اشترکا فی حمله، وتماثلا فی نقله، حاکمٌ علیهما، وشاهدٌ للمحقّ فی اعتقاده منهما، فإنْ سلِم خبرهما هذا من أثر یعارضُه فی المعنى ویناقض حقیقة مقتضاه، فإنّ ذلک دلیلٌ واضحٌ على صحّته، وبرهانٌ لائح على وجوب حجّته.

وقد وجدنا أصحابَ الحدیثین ـ الخاصّة والعامّة ـ وأهل النقلین ـ أعنی الشیعة والناصبة وهما جمیعا رواة الأئمّة على(2) تباینهما فی الاعتقاد، وما بینهما من الاختلاف والتضادّ، قد تراسلا فی نقل النصّ على الأئمّة الاثنی عشر ـ صلوات اللّه‏ علیهم ـ تراسلاً، وتماثلاً فی الروایة بوجوب الخلافة فیهم تماثلاً، واتّفقا فیما نقلاه على عدّتهم المحصورة وأسمائهم المذکورة.

هذا؛ والناصبة تعتقد فی ذلک خلاف ما روت، وتدین بضدّ ما نقلت وأخبرت، ثمّ لم نر خبرا یناقضُ فی الإمامة ما رَوَیاه، ولا سمعنا أثرا یناقض فی النصّ ما نَقَلاه، فعلمنا أنّ هذا دلالةٌ ظاهرةٌ على صحّة النصّ الوارد، وحجّةٌ قاهرة لا یدفعها إلاّ معاندٌ.

______________________________

1 . الاضافة من نسخة ط .

2 . فی ط : مع .

وبیان ذلک أنّ الشیعة موفّقة لما نقلتْه میسّرة، والناصبة مجیبةٌ فیما حملته منجزةٌ؛ لنقل هذه الفرقة ما هو دلیل لها فی دینها، وحمل تلک ما هو حجّة لخصمها دونها، وإلاّ فلِم رَوى أحدُ الناقلَین ما هو کذبٌ عنده، وشَهد بما یعتقدُ ضدَّه، وکیف أَقرّ بما یحتجّ به خصمه، وسطر ما یخالفه علمه؟! وقد جرت العادةُ بخلاف ذلک، فرأینا العاقل لم یزل منکرا لما یرى بطلانه، والفاضل جاحدا لما یخالف إیمانه، والمعتقد على أمرٍ تتوفّر دواعیه إلى دفع ما یبطله علیه، والمعتمد على رأی تنفر طباعه ممّا یضادّه وینافیه، لا ینکر ما ذکرناه إلاّ مَن دفع العادات وأنکر المشاهدات!

وفی علمنا بذلک ـ مع نقل الصنفَین المتباغِضَین، وحمل الرهَطین المتعادیین، للفن الواحد من النصّ الوارد ـ ببیان أنّ اللّه‏ تعالى لطف به للمسترشدین ویسّره للمستبصرین، فأجراه على ألسنة المختلفین، وأنطق به أفواه المتباینین، إقامة لحجّته البالغة على العالمین، وتکملة لنعمته السابقة لدى المستدلّین.

بل هو ضرب من الآیات الباهرات فی خرق اللّه‏ تعالى لمستمرّ العادات التی لا یغیرها إلاّ لخطبٍ عظیم، وإقامة الحجّة بحقّ یقین، فرحم اللّه‏ من اعتبر، وأحسن لنفسه النظر.

فأمّا إنکار العامّة لما نقوله من ذلک عند المناظرة، ودفعهم له فی حال المُحاجّة على سبیل المکابرة، فهو غیر قادح فی الاحتجاج به علیه، ولا مؤثّر فیما هو لازم لهم؛ إذا کان من اطّلع فی أحادیثهم وجدهُ منقولاً عن ثقاتهم، ومن سَمع مِن رجالهم رواه(1) فی خلال أسانیدهم.

______________________________

1 . فی ط : رآه .

وقد کان الشیخ أبو الحسن محمّد بن أحمد بن شاذان القمّیّ رضى‏الله‏عنه وله تقدّمٌ واجب فی الحدیثین، وعلم ثاقب لصحیح النقلین، وضع کتابا سمّاه إیضاح دفائن النواصب جمع فیه أخبارا أخرجها من أحادیثهم> (1)، وآثارا استخرجها من طریقهم فی فضائل أهل البیت ـ صلوات اللّه‏ علیهم ـ .

منها: ما یتضمّن النصّ بالإمامة للأئمّة الاثنی عشر علیهم‏السلام ، وسمعناه منه فی سنة اثنتی عشرة وأربعمائة بالمسجد الحرام، وأنا مورد بعضه إن انتهیت إلیه، بعدما أذکر طرفا مما روته الشیعة فی معناه واعتمدَت علیه.

وأمّا المعتزلة فإنّها لا أصل لها فی الحدیث ونقله، ولیست متعلّقة بروایتهِ وحمله، وإنّما هی طائفة نشأت فی زمن معلوم، وابتدأت فی عصرٍ معروف، فلا معتبر بدفعها خبرا توارَدَه الناقلون قبل وجودها، وحَملهُ المحدّثون قبل حدوثها؛ لا سیّما والنظر یشیّده والأدلّة تعضده. ولم تزل المعتزلة تنکر أکثر الآثار وتدّعی أنَّ من شرطِ متواترها أن یوجب لسامعه علم الاضطرار، حتى أدّاها ذلک إلى القول بأنّ ما سوى القرآن من معجزات الرسول صلى‏الله‏علیه‏و‏آله التی اتّصلت بها الأخبار، إنّما وردت مورد الآحاد.

وهذه جنایة منها على الإسلام، وشبهة یتعلّق بها أهل الإلحاد فی دفع معجزات الأنبیاء علیهم‏السلام ، على أنّ أبا هاشم ابن الجبائی مع تقدمه فی أهل الخلاف قد قال : إنه یجوز وجود طائفة متواترة بخبرٍ لم یبلغ فیه حدّ الدین، بفعل اللّه‏ تعالى العلم الضروریّ لسامعی خبرهم.

قال: فخبرهما تُعلَم صحّته من طریق الاستدلال دون الاضطرار.

فما ینکر هذا الرجل وجمیع من وافقه فی هذا المقال أن تکون معجزات

______________________________

1 . فی ط : حدیثهم .

النبیّ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله وسائر النصوص على أعیان الأئمّة الاثنی عشر علیهم‏السلام داخلة فی هذا الباب، ولم نفصّل الردّ على المعتزلة فی هذا الکتاب فنستوفیه، وله مواضع مختصة به تقتضیه.>

وقد استقصى الکلام‏فیها مَشایُخنا ـ رضیاللّه‏ عنهم ـ ، وکشفوا تَمویهَهم وشُبَهَهم والحمد للّه‏.

(باب)

من روایات الخاصّة فی النصّ على الأئمّة صلوات اللّه‏ علیهم وسلامه

[337] فمن اللفظ المحفوظ فی ذلک عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ما أخبرنی به الشیخ المفید أبو عبداللّه‏ محمّد بن محمّد بن النعمان رضى‏الله‏عنه ، عن أبی القاسم جعفر بن قولویه، عن محمّد بن یعقوب الکلینیّ، عن محمّد بن یحیى، عن أحمد بن محمّد بن عیسى ومحمد بن أبی عبداللّه‏ ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زیاد جمیعا عن الحسن بن العباس، عن أبی جعفر الثانی علیه‏السلام عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیه‏السلام قال: قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : «آمنوا بلیلة القدر فإنَّه ینزل فیها أمر السَّنَة، وإنّ لذلک الأمر ولاة من بعدی، علیّ بن أبی طالب وأحد عشر من ولده علیهم‏السلام »(1).

[338] وبإسناده عن محمّد بن یحیى، عن محمّد بن الحسن، عن ابن محبوب، عن أبی الجارود، عن أبی جعفر محمّد بن علیّ علیهماالسلام ، عن جابر بن عبداللّه‏ الأنصاریّ رحمه‏الله قال: قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : «تمسّکوا بلیلةِ القدر فإنّها تکون من بعدی لعلیّ بن أبی طالب وأحد عشر من ولده بعده علیهم‏السلام »(2).

[339] وبهذا الإسناد عن محمّد بن یحیى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن

______________________________

1 . الخصال ، ج 2 ، ص 480

2 . الخصال ، ج 2 ، ص 480

الحسین، عن أبی سعید العصفریّ، عن عمرو بن ثابت، عن أبی الجارود، عن أبی جعفر محمّد بن علیّ بن الحسین علیه‏السلام ، عن أبیه، عن جدّه علیهم‏السلام قال: قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : «إنّی واثنی عشر من أهل بیتی أوّلهم علیّ بن أبی طالب علیه‏السلام أوتاد الأرض التی أمسکها اللّه‏ بها أن تسیخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من أهلی ساخت الأرض بأهلها ولم یُنْظروا»> (1).

[340] وبهذا الإسناد عن أبی سعید، یرفعه إلى أبی جعفر علیه‏السلام قال: قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : «من أهل بیتی اثنا عشر نقیبا محدّثون مفهمّون، منهم القائم بالحقّ یملؤها عدلاً کما مُلئت جورا»(2).

[341] وما رواه ابن أبی عمیر، عن سعید بن غزوان، عن أبی بصیر، عن أبی عبداللّه‏، عن آبائه علیهم‏السلام قال: قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : «إنّ اللّه‏ اختار مِن الأیّام یوم الجمُعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن اللیالی لیلةَ القدرِ، واختارَ من الناسِ الأنبیاء، واختارَ من الأنبیاءِ الرسل، واختارنی من الرسل، واختار منّی علیّا علیه‏السلام ، واختار من علیّ الحسن والحسین علیهماالسلام ، واختار من الحسین علیه‏السلام الأوصیاء علیهم‏السلام أجمعین، وهم تسعة من ولد الحسین ینفون من هذا الدین تحریف الغالین وانتحال المبطلین وتأویل الجاهلین، تاسعهم ظاهرهم ناطقهم قائمهم وهو أفضلهم»(3).

[342] وورد عنه أیضا بلفظ آخر قال: قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : «إنّ اللّه‏ اختار من کلّ شیءٍ شیئا، اختار من الأرض مکّة، واختار من مکّة المسجد الحرام، واختار من المسجد الحرام الموضع الذی فیه الکعبة، واختار من الأنعام إناثها، واختار من

______________________________

1 . الغیبة للشیخ الطوسی ، ص 92

2 . مناقب آل أبی طالب ، ج 1 ، ص 300؛ بحار الأنوار ، ج 36 ، ص 27

3 . الغیبة للنعمانی ، ص 67

الغنم الظأن، واختار من الناس بنی هاشم، واختارنی وعلیّا من بنی هاشم، واختار منّی ومن علیٍّ الحسن والحسین، واثنی عشر إماما تسعة من ولد الحسین تاسعهم ناطقهم وهو ظاهرهم، وهو أفضلهم، وهو قائمهم»> (1).

[343] وما حدّثنا الشیخ أبو الحسن محمّد بن شاذان القمّیّ رضى‏الله‏عنه قال: حدّثنا أبو محمّد الحسن بن عبداللّه‏ العلویّ الطبریّ قال: حدّثنا أحمد بن عبداللّه‏ قال: حدّثنی أحمد بن محمّد عن أبیه قال: حدّثنی حمّاد بن عیسى قال: حدّثنی عمر بن أذینة قال: حدّثنی أبان بن أبی عیّاش، عن سلیم بن قیس الهلالیّ، عن سلمان الفارسیّ رحمه‏الله قال: رأیت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : وقد أجلس الحسین على فخذه، وتفرّس فی وجهه، وقَبّل بین عینیه وقال له: «یا أبا عبداللّه‏، أنت السید ابن السیّد أبو السادة، وأنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمّة أبو عبداللّه‏، وأنت الحجّة ابن الحجّة أبو حججٍ تسعة [من صلبک(2)] تاسعهم قائمهم، إمامهم أعلمهم أحکمهم أفضلهم»(3).

ورواه أیضا زاذان(4) عن سلمان.

[344] وما رواه علیّ بن إبراهیم، عن أبیه، عن حمّاد بن عیسى، عن إبراهیم بن عمر الیمانی، عن ابن أَبی عمیر، عن عمر بن أُذینة، عن أَبان بن أَبی عیّاش، عن سلیم بن قیس الهلالیّ قال: سمِعتَ عبداللّه‏ بن جعفر بن أبی طالب رضى‏الله‏عنه یَقول: کُنّا عندَ مُعاویة بن أَبی سفیان، أنا وَالحسن وَالحسین علیهماالسلام ، وعبداللّه‏ بن العبّاس، وعمر بن أبی سلمة، [فجرى بینی وبین معاویة کلام فقلت لمعاویة: سمعت رسول‏اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله

______________________________

1 . الغیبة للنعمانی ، ص 67

2 . ما بین المعقوفتین من المصدر .

3 . الطرائف ، ج 1 ، ص 174 ، مطبعة خیام ، قم ، 1400 ؛ مائة منقبة لابن شاذان القمی ، ص 117 ؛ الخصال ، ج 2 ، ص 475

4 . فی ط: راذان .

یقول: «إنّی أَولى بالمؤمنین من أَنفسهم، [ثمّ> (1)] وبعدی أخی علیّ أَولى بالمؤمنین من أَنفسهم، فإذا استشهد علیّ فابنه الحسن أولى بالمؤمنین من أنفسهم ، ثمّ ابنه الحسین من بعده أَولى بالمؤمنین من أَنفسهم ، فإذا استُشهد فابنه علیّ بن الحسین أولى بالمؤمنین من أنفسهم ـ وستدرکه یاعلیّ ـ ثمّ ابنه محمّد بن علیّ أَولى بالمؤمنین من أَنفسهم ـ وستدرکه یا حسین ـ ثمّ تکمل اثنی عشر إماما تسعة من ولد الحسین. قال عبداللّه‏ بن جعفر: ثمّ استشهدت الحسن والحسین وعبداللّه‏ بن العبّاس وعمر بن أَبی سلمة(2)] واُسامة بن زَیدٍ، فشهدوا لی بذلک عندَ معاویة.

قال سلیم بن قیس الهلالیّ، وسَمعتُ ذلک من سَلمان والمقداد وأَبی ذرّ وذَکروا: أَنّهم سَمِعوا ذلکَ مِن رَسُول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله (3).

[345] ومن ذلک ما أَخبرنی به أَبوالمرجّى محمّد بن علیّ بن عبداللّه‏ بن أبی طالب البلدیّ ، قال: أَخبرنی أبوعبداللّه‏ محمّد بن إبراهیم بن جعفر النعمانیّ رحمه‏الله ؛ قال: حدّثنی أَحمد بن عبداللّه‏ بن جعفر بن المعلّى الهمدانیّ. قال: حدّثنی أبوالحسن عمر بن جامع بن حرب الکندیّ قال: حدّثنی عبداللّه‏ بن المبارک، عن عبدالرزّاقِ، عن معمر عن أبان عن سلیم بن قیس قال: «قلت لأَمیر المؤمنینِ علیّ بن أبی طالب علیه‏السلام : إنِّی سَمعتُ مِن سلمانَ ومن المقدادِ ومن أَبی ذرّ أشیاء من تفسیر القرآن ومن الرّوایة عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ثمّ سمعتُ منک تصدیقا لِما سَمِعْتُ منهُم، ورأَیت فی أَیدی النّاسِ أَشیاء کثیرةً من تفسیر القرآن، ومن الأحادیث عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله یُخالفونهم فیها ویزعمون أنَّ ذلک باطل. أَ فتَرى أنَّهم یَکذِبونَ

______________________________

1 . من نسخة : ط .

2 . من النسخة المرعشیّة .

3 . کتاب الغیبة للنعمانی ، ص 96؛ الخصال ، ج 2 ، ص 477

متعمِّدین وَیُفَسِّرونَ القرآن بآرائِهِم؟>

قَال: فَأقبَل علَیَّ علیُّ بن أَبی طَالب علیه‏السلام ، وَقال: سَأَلت فَافهَم الجَوابَ، إنَّ فی أیدی النّاسِ حقّا وباطلاً، وصدقا وَکذِبا، وناسِخا ومَنسوخا، وخاصّا وَعامّا، ومحْکما وَمتشابِها، وحِفظا وَوَهما، وقَد کُذب عَلَى رَسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله عَلى عَهدِه، حتّى قَامَ خَطیبا، فقال: أَیّها النّاسُ، قد کثرت الکذّابةُ عَلَیّ، فَمَن کذب عَلیّ مُتَعَمِّدا فلیتبوّأ مقعده من النّار ثمّ کُذبَ عَلَیه من بعده.

وإنّما أَتاکَ بالحدیث أَربعة لیس لهم خامسٍ:

رَجُلٌ مُنافِق مُظهر للإیمان، مُتصنِّع بالإسلام باللِّسان، لا یَتأثَّم وَلا یَتَحرّج أَنْ یَکذِبَ على رَسولِ اللّه‏ِ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله مُتَعمِّدا.

فَلَو عَلِمَ المُسلِمُونَ أَنّهُ مُنافِقٌ لَمْ یَقبلُوا منه، وَلَمْ یُصَدِّقُوهُ، وَلکنّهم قالُوا: هذا قَدکان صَحِبَ رَسُولَ اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله وَقد رَآهُ وَ سَمِعَ مِنهُ. وَقَد خبّرکَ اللّه‏ عن المُنافقین بِما خَبّرکَ وقد وصفه بما وصفه، ثُمّ بَقُوا بَعدَ رَسُولِ اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ، وَتَقَرّبُوا إلى أئِمّةِ الضّلالة وَالدُّعاةِ إلَى النّارِ بالزُّورِ وَالکذِب وَالبُهتان، فَولَّوهُم الأعمال وَحَملُوهُم عَلى رِقابِ النّاسِ فَأَکَلُوا بِهِمُ الدّنیا، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ المُلُوکِ وَالدنیا إلاّ مَن عَصَمَ اللّه‏، فَهذا أَحَد الأَربعة.

و رجل سمع مِن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله شَیئا لَم یَحْفظه على وجهه فوَهم فیه ولَمْ یَتَعمَّد کَذبا فهو فی یدیهِ یَعملُ فیهِ ویرویه وَیَقول: أَنَا سَمِعتُهُ مِن رَسُول اللّه‏ِ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله . فَلو علِمَ المُسلِمُونَ أَنّهُ وهم لم یقبلوه، وَلَو عَلم هُو أَنَّه وَهم لرفضه.

وَرجل ثالثٌ سمع من رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله شَیئا یَأمرُ بهِ، ثمّ نَهى عَنه وهو لا یعلم [أو سمعه ینهى عن شیء ثُمّ أمر به وهو لا یعلم(1)]، فَحفِظَ المنسوخ ولم یحفظ

______________________________

1 . بین القوسین من النسخة المرعشیّة .

النَّاسخ، فلو یعلم أنَّه منسوخ لرفضه.>

وَ رَجُلٌ رابِعٌ لَم یکذِبْ عَلَى اللّه‏ِ وَلا عَلى رَسوله بُغضا للکَذِبِ وَخوفا مِن اللّه‏ عَزّوَجَلّ وَتَعظیما لِرَسُولِ اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ، ولَم یَهِمْ(1) بَل حَفِظَ الحَدیثَ عَلى وَجهِه وجاء بهِ کما سمعه لم یزد فیه ولم ینقص منه، حفظ الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، وإنّ أمر رسول اللّه‏ ونهیه مثل القرآنِ ناسخ ومنسوخ، وعامّ وخاصّ، ومحکم ومتشابه، فکان یکون من رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله الکلام له وجهانِ: عامٌّ وکلام خاصّ، مثل أن یسمعه من لا یعرف ما عنى اللّه‏ عزّوجلّ به وما عنى رسول‏اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ولیس کلّ أصحاب رسول‏اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ، کانَ یسأله ویستفهمه، حتّى أنّهم کانوا یحبّون أن یجیء الأعرابیّ والطارئ لِیَسأل(2) رَسُولَ اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله حتّى یَسمَعوا، وکنت أنا أدخل على رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله کلّ یومٍ دخلةً وکلّ لیلةٍ دخلة یخلینی فیها، وقد علم أصحاب رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله أنّه لم یکن یصنع ذلک بأحدٍ غیری ، وکنتُ إذا سأَلت أجَابنی، وإذا سکتُّ ابتدأنی، ودَعا اللّه‏َ أن یُحفّظنی ویفهّمنی، فما نسیت شیئا قطّ مُذ دعا لی، فإنّی قلت لرسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله (یا نبیّ اللّه‏، إنّک مذ دعوت لی بما دعوتَ)(3) لَمْ أَنسَ شیئا ممّا تُعَلّمنی، فلِمَ تُمْلِه عَلیَّ، ولِمَ تأمرُنی بکَتبه، أتخاف(4) علَیَّ النِّسیان؟

فقال: یا أخی، لست أتخوَّف علیک النسیان ولا الجهل، وقد أخبرنی اللّه‏ عزّوجلّ أنّه قد استجاب لی فیک وفی شرکائک الذین یکونون بعدک، وإنّما تکتبه لهم.

______________________________

1 . کذا فی جمیع النسخ .

2 . فیسأل .

3 . بین القوسین من المرعشیّة ، ص 23

4 . فی ط، نسخة بدل (أیتخوّف) .

قلت: یا رسول اللّه‏، ومن شرکائی؟ قال: الّذین قرنهم اللّه‏ بنفسهِ وبی، فقال: «یا أَیُّها الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّه‏َ وأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولی الأَمرِ مِنْکُمْ»(1).

فَقلت: یا نبیّ اللّه‏ ومَن هم؟ فقال: الأوصیاء إلى أن یردوا علیَّ الحوض، کلّهم هادٍ مهدیّ لا یَضُرُّهُم خِذْلان مَنْ خَذَلهُم. هُمْ مَع القُرآنِ وَالقرآنُ مَعَهُم، لایُفارِقُونَهُ، وَلا یُفارِقُهم، بِهِم تُنصر اُمَّتی ویُمْطرونَ، ویُقبل منهم وتستجاب دعواتهم(2).

قُلتُ: یا رَسول اللّه‏ سَمِّهِم لی. قال النبیّ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : هذا وَ وَضع یَدَهُ على رَأسِ الحسین ثمّ ابنٌ له على اسمک یا علیّ ثمّ ابن على اسم محمّد، ثمّ أقبل على الحسین، فقال سَیولد محمّد بن علیّ فی حیاتک فأقرئه مِنّی السَّلامَ، ثُمَّ تَکملة اثنی عشر إماما. قلت: یا نبیّ اللّه‏ سَمّهم لی، فَسَمّاهُمْ رَجُلاً رَجُلاً. منهم وَاللّه‏ِ ـ یا أخا بنی هلالٍ ـ مَهدیُّ اُمَّةِ محمّدٍ الذی یَملأُ الأرضَ عَدلاً وَقِسطا کَما مُلِئَت جَورا وَظُلما»(3).

[346] وما رواه أحمد بن محمّد بن سعید، عن القاسم بن محمّد بن عبید، عن ابن کلّوب، قال: حدّثنا حسین بن زید بن علیّ علیه‏السلام عن جعفر بن محمّد عن آبائه علیهم‏السلام : قال: قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : «أَبشِروا ثمّ أَبشروا ثمّ أَبشروا ـ ثلاث مرّات ـ إنّما مثل أُمّتی کمثل غیث لا یُدرَى أوّله خیر أم آخره، إنّما مثل اُمّتی کمثل حدیقة أطعم منها فوجا عاما، ثمّ أطعم منها فوجا عامّا، لعلّ آخرها فوجا یکون أعرضها بحر و أَعمقها طولاً وأَطولها فرعا، وأحسنها جَنىً، وکیف تهلک أُمّة أَنا فیهاأَوّلها، واثناعَشَر من ولدی من السعداء وأُولی الأَلباب والمسیح ابن مریم آخرها؟

ولکن یَهلک بین ذلک نَتْج الهَرْج لیسوا(4) منّی ولست منهم» (5) .

______________________________

1 . سورة النساء، الآیة 59

2) فی نسخة ط: ویجار بهم، دعا لهم ویستجاب .

3 . کتاب الغیبة للنعمانی ، ص 75 ـ 81

4 . فی المرعشیّة : لیس منّی ولست منه.

5 . کمال الدین ، ج 2 ، ص 282 ؛ الخصال ، ج 2 ، ص 476

فصل

ومن لفظ الأَئمّة علیهم‏السلام فی ذلک :

[347] ما أَخبرنی به الشیخ المفید رضى‏الله‏عنه قال : أخبرنی أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن یحیى ، عن أَحمد بن محمّد بن عیسى ، ومحمّد بن أَبیعبداللّه‏ ، ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زیاد ، جمیعا عن الحسن بن العبّاس ، عن أَبی جَعفر محمّد بن علیّ بن موسى علیهم‏السلام قال : قَال أَمیرُالمؤمنینَ ـ صلوات اللّه‏ علیه ـ ، لابن عَبّاس : «إنّ لیلةَ القدرِ فی کُلّ سنةٍ ، وَإنَّهُ ینزلُ فی تِلکَ اللَّیلَة أَمرُ السَّنَةِ ، ولِذلِکَ الأمر وُلاة مِن بَعد رَسُول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله . فَقَال ابن عبّاس : مَن هُم ؟ فَقالَ : أَنَا وَأحَدَ عَشَر مِنْ صُلبِی أَئمّةٌ مُحَدَّثُونَ» (1) .

[348] وخبرُ الهارونیّ الشائع الذائع رویناه بالإسناد المتقدّم عن محمّد بن یعقوب ، عن عدّة من أصحابه ، عن أَحمد بن محمّد بن خالد البرقیّ ، عن أبیه ، عن عبداللّه‏ بن القاسم ، عن حیّان بن داود بن سلیمان عن أَبی الطفیل ، قال : شهدتُ جنازة أَبی بکر یوم مات ، وشهدتُ عُمَرَ حین بویع ، وعلیّ علیه‏السلام جالس ناحیةً ، فأقبل غلام یهودیّ جمیل علیه ثیابٌ حسان ، مِن وُلدِ هارون علیه‏السلام ، حتّى قامَ ، على رأس عمر بن الخطّاب ، فقال : یا أَمیرَالمؤمنینَ أَنتَ أعلم هذه الاُمّةِ بکتابهم وأَمر نبیّهم ؟ فطأطأَ رأْسه . فأعاد علیه القول فقال له عمر : ولم ذلک ؟ فقال له : إنّی جئت مرتادا لنفسی شاکّا فی دینی ، أُرید الحُجّةَ ، وأطلب البرهان . فقال له عمر : دُونَکَ هذا الشابّ ، وأَشارَ إلى أَمیرالمؤمنین علیه‏السلام . فقال الغَلام : ومَن هذا ؟

______________________________

1 . کتاب الغیبة للنعمانی ، ص 60 ؛ الخصال ، ج 2 ، ص 480 ، منشورات الأعلمی ، بیروت : 1410 ه .

قال : هذا علیّ بن أبی طالب ، ابن عمّ رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله وأبو الحسن والحسین إبنی رسول اللّه‏ ، وزوج فاطمة بنت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ، وأعلم الناس بالکتاب والسنّة .

قال : فأقبل الغُلام على علیّ علیه‏السلام ، فقال له : أنت کذلک ؟

فقال علیّ علیه‏السلام : نعم .

قال الغلام : فإنّی أُرید أن أسألک عن ثلاثٍ وثلاثٍ وواحدة؟ قال : فتبسّم أمیرالمؤمنین علیه‏السلام ، وقال : یا هارونیّ ، ما منعک أن تقول سبعا؟

قال : إنّی اُرید أن أسألک عن ثلاث فإنْ عَلِمتَهنّ سألتک عمّا بعدهنّ ، وإن لم تعلمهنّ علمت أنّه لیس فیکم عالمٌ .

قال أمیرالمؤمنین علیه‏السلام : فإنّی أسألک بالإله الذی تعبده ، أنا أجبتک عمّا تسأل لِتدعنّ دینک ولتدخلنّ فی دینی .

قال له : ما جئت إلاّ لذلک .

قال له : سل .

فقال : أخبرنی عن أوّل قطرة دمٍ قطرت على وجه الأرض أیّ قطرةٍ هی ؟ وأوّل عینٍ فاضت على وجه الأرض أیّ عین هی ؟ وأوّل شیء اهتزّ على وجه الأرض أیّ شیء هو ؟

قال علیه‏السلام : یا هارونیّ ، أمّا أنتم فتقولون : إنّ أوّل قطرة دمٍ قطرت على وجه الأرض حیث قتل أحد ابنی آدم صاحبه ، ولیس هو کذلک ، ولکن حیث طمثت حوّاء ، وذلک قبل أن تلد ابنها .

وأمّا أنتم فتقولون : إنّ أوّل عینٍ فاضت على وجه الأرض العین التی ببیت‏المَقدَس ، ولیس هو کذلک ، ولکنّها عین الحیاة التی وقف علیها موسى وفتاه ومعهما الحوت المالح فسقط منهما فیها فحیی ، وهذا الماء لا یصیب میّتا إلاّ حیی.>

وأما أنتم فتقولون : إن أوّل شیء اهتزّ على وجه الأرض الشجرة التی کانت منها سفینة نوح علیه‏السلام ، ولیس کذلک ولکنّها النخلة التی أُهبطت من الجنّة ، وهی العجوة ومنها تفرّع جمیع ما ترى من أنواع النخل .

فقال : صدقت واللّه‏ الذی لا إله إلاّ هو إنّی لأجد هذا فی کتاب أبی هارون علیه‏السلام کتابتة بیده ، وإملاء عمّی موسى علیهماالسلام .

ثمّ قال : أخبِرنی عن الثلاث الاُخر : مَن (1) أوصیاء محمّد وکم من أئمّة عدلٍ بعده ، وعن منزله فی الجنّة ، ومن یکون معه ساکنا فی منزله؟

فقال : یا هارونیّ ، إنّ لمحمّدٍ اثنی عشر وصیّا أئمّة عدل ، لا یضرّهم خذلان من خذلهم ، ولا یستوحشون بخلاف ما خالفهم ، وإنّهم أرسى (2) فی الدین من الجبال الرواسی فی الأرض ، ومسکن محمّدٍ فی جنة عدن التی ذکرها اللّه‏ عزّوجلّ، ومعه فی مسکنه الأئمّة الاثنا عشر .

فقال : صدقت واللّه‏ الذی لا إله إلاّ هو إنّی لأجد ذلک فی کتاب أبی هارون ، کتابته بیده ، وإملاء عمّی موسى علیهماالسلام .

قال : فأخبرنی عن الواحدة : کم یعیش وصیّ محمّد بعده وهل یموت أو یقتل؟

فقال : یا هارونیّ ، یعیش بعده ثلاثین سنة لا یزید یوما ولا ینقص یوما ، ثمّ یُضرب ضربة هاهنا ـ ووضع یده على قرنه ، وأومأ إلى لحیته ـ فتخضب هذه من

______________________________

1 . فی نسخة ط : عن .

2 . فی نسخة ط : أرسب .

هذه.>

قال : فصاح الهارونیّ ، وقطع کتبره (1) ، وقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ وحده لا شریک له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّک وصیّ رسول اللّه‏ صلوات علیکما وآلکما ؛ ینبغی أن تفوق ولا تُفاق ، وأن تعظّم ولا تستضعف .

وأحسن إسلامه (2) .

[349] وأخبرنی الشیخ المفید رضى‏الله‏عنه قال : أخبرنی أبو القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن یحیى ، عن عبداللّه‏ بن محمّد ، عن الخشّاب ، عن الحسن بن سماعة ، عن علیّ بن الحسین بن رباط ، عن عمر بن اُذینة ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه‏السلام یقول : «الاثنا عشر الأئمّة من آل محمّد کلّهم محدَّث ، علیّ بن أبی طالب وأحد عشر من ولد رسول اللّه‏ وعلیّ صلوات اللّه‏ علیهما ، هما الوالدان» (3) .

[350] وأخبرنی الشیخ المفید رحمه‏الله قال : أخبرنی أبو القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن یعقوب ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن سعید بن غزوان ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه‏السلام قال : «یکون بعد الحسین علیه‏السلام تسعة أئمّة تاسعهم قائمهم» (4) .

[351] وبإسناده عن علیّ بن إبراهیم ، عن محمّد بن عیسى ، عن محمّد بن الفضیل ، عن أبی حمزة الثمالی ، عن أبی جعفر علیه‏السلام قال : «إنّ اللّه‏ عزّوجلّ أرسل

______________________________

1 . فی نسخة ط : قطع کشبره .

2 . کمال الدین ، ص 299 وفیه : «وقطع کستیجه» ؛ کتاب الغیبة للنعمانی ، ص 97

3 . الغیبة للشیخ الطوسی ، ص 97

4 . الغیبة للنعمانی ، ص 94 ؛ الخصال ، ج 2 ، ص 280

محمّدا إلى الجنّ والإنس ، وجعل من بعده اثنی عشر وصیّا ، منهم من سبق ومنهم من بقی ، وکلّ وصیّ جرت به سنّة ، فالأوصیاء الذین من بعده محمّد صلى‏الله‏علیه‏و‏آله على سنّة أوصیاء عیسى علیه‏السلام وکانوا اثنی عشر ، وکان أمیرالمؤمنین علیه‏السلام على سنّة المسیح علیه‏السلام »> (1).

[352] وأخبرنی الشیخ المفید رحمه‏الله قال : أخبرنی أبو القاسم ، عن محمّد بن یقوب ، عن الحسین بن محمّد ، عن علیّ بن معلّى بن محمّد ، عن الوشّا ، عن أبان ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه‏السلام یقول : «الأئمّة اثنا عشر إماما منهم الحسن والحسین ثمّ الأئمّة من ولد الحسین علیهم‏السلام » (2) .

[353] وبإسناده عن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن یحیى وأحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن أبی طالب ، عن عثمان (3) بن عیسى ، عن سماعة بن مهران قال : کنت أنا وأبو بصیر ومحمّد بن عمران ـ مولى أبی جعفر علیه‏السلام ـ فی منزلٍ بمکّة ، فقال محمّد بن عمران مولى أبی جعفر : سمعت أبا عبداللّه‏ یقول : «نحن اثنا عشر محدّثا» (4).

فقال له أبو بصیر : لکن أنا سمعته من أبی جعفر علیه‏السلام (5) یقول [منذ أربعین سنة(6)] .

فصل

ومن ذلک خبر اللّوح المشتهر المعروف الذی قد اجتمعت الشیعة الإمامیّة

______________________________

1 . عیون أخبار الرضا علیه‏السلام ، ص 33 ؛ الخصال ، ج 2 ، ص 478

2 . عیون أخبار الرضا علیه‏السلام ، ص 33 ؛ الخصال ، ج 2 ، ص 278

3 . فی نسخة ط : عمر بدل عثمان .

4 . الغیبة للنعمانی ، ص 96 ؛ الخصال ، ج 2 ، ص 278

5 . فی نسخة ط : لکنّی سمعته أنا من أبی جعفر علیه‏السلام .

6 . إضافة فی المصدر .

[علیه [ولم تختلف فیه .>

[354] أخبرنی الشیخ المفید رضى‏الله‏عنه قال : أخبرنی أبو القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن یعقوب عن محمّد بن یحیى عن محمّد بن الحسین ، عن محمّد بن محبوب ، عن أبی الجارود ، عن أبی جعفر محمّد بن علیّ علیهماالسلام ، عن جابر بن عبداللّه‏ الأنصاری قال : «دخلت على فاطمة بنت رسول اللّه‏ علیهماالسلام وبین یدیها لوح فیه أسماء الأوصیاء والأئمّة من ولدها ، فعددت اثنی عشر اسما آخرهم القائم بالحقّ علیه‏السلام ، ثلاثة منهم محمّد وأربعة منهم علیّ علیهم‏السلام » (1) .

[355] وبإسناده عن محمّد بن الحسین (2) ومحمّد بن عبداللّه‏ عن عبداللّه‏ بن جعفر، عن الحسین بن طریف وعلیّ بن محمّد ، عن صالح بن أبی حماد ، عن بکر بن صالح ، عن عبدالرحمن بن سالم ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبداللّه‏ علیه‏السلام قال : قال أبی علیه‏السلام لجابر بن عبداللّه‏ الأنصاریّ : «إنّ لی إلیک حاجة فمتى یخفّ علیک أن أخلو بک وأسألک عنها ؟ فقال له جابر : أیّ الأوقات أحببت . فخلى به أبی فی بعض الأیّام فقال له : یا جابر أخبرنی عن اللوح الذی رأیته فی ید اُمّی فاطمة صلوات اللّه‏ علیها ، وما أخبرتک به اُمّی ممّا فی ذلک اللوح مکتوبا .

قال جابر : أشهد باللّه‏ أنّی دخلت على اُمّک فاطمة علیهاالسلام فی حیاة رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله وهنّأتها بولادة الحسین علیه‏السلام فرأیت فی یدها لوحا أخضر فظننت أنّه من زمرّد ، ورأیت فیه کتابا أبیض شبیه بنور الشمس ، فقلت لها : بأبی وأُمّی یا بِنْتَ رَسول‏اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ما هذا اللّوحُ ؟

فَقَالت : هذا اللّوحُ أَهداهُ اللّه‏ عَزَّوجَلَّ إلى رَسُول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله فیه اسمُ أَبی وَاسمُ بَعْلِی

______________________________

1 . فی نسخة ط : اثنان بدل الأربعة ؛ کمال الدین ، ص 269 ؛ الخصال ، ج 2 ، ص 477

2 . فی نسخة ط : یحیى .

وَاسْمُ ابنیَّ وَأَسْماءُ الأوصیاءِ من وُلدِی ، وَأَعطانیه أَبی صلى‏الله‏علیه‏و‏آله لِیَسرّنی بذلک .>

قال جابر : فَأَعطَتنِیه اُمّک فاطمة علیهاالسلام فَقَرأتُهُ ونسختُهُ (1) . فقال أبی علیه‏السلام : فَهَل لَکَ یا جابر أن تعرضهُ عَلیَّ ؟ قالَ : نعم . فمشى معه أبی إلى منزله ، فَأخرج أبیصحیفةً من رقّ ، فقال له : یا جابرُ ، انظر فی کتابکَ لأقرأ علیک فَنَظَر جابرٌ فِی نُسْخَتِه ، وقَرأ أبی علیه‏السلام فما خالَفَ حرف حرفا .

وقال جابر : أشهد باللّه‏ِ أنّی هکذا رأیتُهُ فی اللوحِ مَکتُوبا . ثمّ ساق الراوی الحدیث إلى ذکر ما فی اللوح من أسماء الأئمّة الاثنی عشر والنصّ علیهم صلوات اللّه‏ علیهم وسلامه» (2) .

فصل

فَهذا طرفٌ ممّا روته الشیعة وتناقلته الخاصّة ، ولو [إن] (3) تحمّل العامّة خبرا فی معناه ، ولا ورد من جهتها أثر یتضمّن مقتضاه ، لم یخلّ ذلک بدلالته بل کان کافیا فی إقامة الحجّة به ؛ لأنّ حاملی هذه الأخبار طوائف کثیرة یلحقون بالمتواتر من الأئمّة کلّ منهم ینقل هذه الأخبار عن سلفه عن رسول اللّه‏ وعن أهل بیته صلوات اللّه‏ وسلامه علیهم فهو فی قسم التواتر ، وإن اختلفت ألفاظها لاتّفاق معانیها وتماثل مدلولها ، لم تکشف الأیّام من أوّل لهم مفتعل ومبتدع (4) مخترع بل یوضح صدقهم ویؤکد أمرهم .

وبیان ذلک أن هذه الأخبار مُضَمَّنَة فی کتب سلفهم المعروفة بالاُصول عندهم ، ممّا قد مات مؤلّفوها رحمهم اللّه‏ قبل الغیبة ، وکمال عدّة الأئمّة صلوات علیهم وسلامه ، وکان الأمر موافقا لما رووه من غیر اختلاف ، والإخبار بالکائن قبل کونه، لا یکون إلاّ من اللّه‏ سبحانه ، ولا یؤخذ إلاّ عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ، وهذا مقنع لمن أنصف من نفسه .>

ونحن نورد بعده طرفا ممّا روته العامّة ، وورد على ألسنة الناصبة ، لتأکید الحجّة إن شاء اللّه‏ تعالى .

______________________________

1 . فی نسخة ط : واستنسخته .

2 . کتاب الغیبة للنعمانی ، ص 62

3 . فی نسخة ط : هکذا .

4 . فی نسخة ط : مبتدی .

 (باب)

من روایات العامّة فی النصّ على الأئمّة صلوات اللّه‏ علیهم

[356] فمن ذلک ما سمعناه من الشیخ الفقیه أبی الحسن محمّد بن أحمد بن علیّ بن شاذان القمّیّ رضى‏الله‏عنه من کتابه المعروف ب «إیضاح دفائن النواصب» بمکّة فی المسجد الحرام سنة اثنتی عشرة وأربعمائة ، حدّثنا الشیخ أبو الحسن قال : حدّثنا محمَّد بن الحسین بن أحمد قال : حدّثنا محمّد بن جعفر قال : حدّثنا محمّد بن الحسن قال : حدّثنا إبراهیم بن هاشم قال : حدّثنا محمّد بن سنان قال : حدّثنا (1) زیاد بن المنذر قال : حدّثنی سعد بن سعید طَریف ، عن الأصبغ ، عن ابن عبّاس قال : سمعت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله یقول : «معاشر الناس ، اعلموا أنّ للّه‏ تعالى بابا من دخله أَمِنَ من النار ومن الفزع الأکبر ،

فقام إلیه أبو سعید الخُدریّ فقال : یا رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله اهدنا إلى هذا الباب حتّى نعرفه .

فقال : هو علیّ بن أبی طالب ، سیّد الوصیّین ، وأمیر المؤمنین ، وأخو رسول

______________________________

1) فی نسخة ط : حدّثنی .

ربّ العالمین ، وخلیفته على الناس أجمعین .>

معاشر الناس ، من أحبّ أن یستمسک بالعروة الوثقى التی لا انفصام لها ، فلیتمسّک بولایة أمیرالمؤمنین علیّ بن أبی طالب ، فإنّ ولایته ولایتی وطاعته طاعتی .

معاشر الناس ، من أحبّ أن یعرف الحجّة وبعدی ، فلیعرف علی بن أبی طالب.

معاشر الناس ، من سرّه أن یتولّى ولایة اللّه‏ فلیقتد بعلیّ بن أبی طالب بعدی والأئمّة من ذرّیّتی ، فإنّهم خزّان علمی» .

فقام جابر بن عبداللّه‏ الأنصاریّ فقال : یا رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله وما عدّة الأئمّة ؟

فقال : «یا جابر ، سألتنی ـ رحمک اللّه‏ ـ عن الإسلام بأجمعه ، عدّتهم عدّة الشهور ، وهی [عند اللّه‏] اثنا عشر شَهرا فی کِتابِ اللّه‏ یَوْمَ خَلَقَ السماوات والأرض (1) وعدّتهم عدّة العیون التی انفجرت لموسى بن عمران حین ضرب بعصاه الحجر «فَانْفَجَرتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَیْنا» (2) وعدّتهم عدّة نقباء بنی إسرائیل ، قال اللّه‏ تعالى : «وَلَقدْ أخَذَ اللّه‏ُ مِیثَاقَ بنی إسرَائیلَ وَبَعَثْنا مِنهُم اثْنَی عَشَرَ نَقیبا» (3) .

فالأَئمّة یا جابر، عدّتهم اثنا عشر أوّلهم علیّ بن أبی طالب وآخرهم القائم علیهم‏السلام (4).

[357] وحدّثنا الشیخ أبو الحسن قال : حدّثنی أبو عبداللّه‏ محمّد بن زنجویه قال :

______________________________

1 . سورة التوبة ، الآیة 36

2 . سورة البقرة ، الآیة 60

3 . سورة المائدة ، الآیة 12

4 . مائة منقبة ، ص 98 ؛ الیقین (باختصاص مولانا علیّ بأمرة المؤمنین) ، ص 244

حدّثنا محمّد بن جعفر قال : حدّثنا جعفر بن سلمة قال : حدّثنا إبراهیم بن محمّد قال : حدّثنا أبو غسّان قال : حدّثنی یحیى بن سلمة ، عن أبیه ، عن أبی إدریس ، عن المسیّب ، عن أمیرالمؤمنین علیه‏السلام قال : «واللّه‏ لقد خلّفنی رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله فی اُمّته ، فأنا حجّة اللّه‏ علیهم بعد نبیّه ، وإنّ ولایتی لتلزم أهل السماء کما تلزم أهل الأرض ، وإنّ الملائکة لتتذاکر فضلی ، وذلک تسبیحها عند اللّه‏ .>

أیّها الناس ، اتبعونی أهدکم سبیل الرشاد ـ أو قال : سواء السبیل ـ لا تأخذوا یمینا ولا شمالاً فتضلّوا ، أنا وصیّ نبیّکم ، وخلیفته ، وإمام المؤمنین وأمیرهم ومولاهم ، أنا قائد شیعتی إلى الجنّة ، وسائق أعدائی إلى النار ، أنا سیف اللّه‏ على أعدائه ، ورحمته على أولیائه ، وأنا صاحب حوض رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ولوائه ، وصاحب مقامه وشفاعته .

أنا والحسن والحسین وتسعة من ولد الحسین خلفاء اللّه‏ فی أَرضه ، وأُمناؤه على وحیه ، وأَئمّة المسلمین بعد نبیّه ، وحجج اللّه‏ على بریّته» (1) .

فصل

وممّا سمعناه من الشیخ أبی الحسن ـ أیضا ـ من کتابه الذی أوضح فیه هذه الدفائن فی ذکر رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله للأئمّة الاثنی عشر صلوات اللّه‏ علیهم ونصّه على أسمائهم ، وإبانته لفضلهم فی الآخرة وعلوّ شأنهم ، وورد ذلک على ألسنة أعدائهم .

[358] حدّثنا الشیخ أبو الحسن ، قال : حدّثنا محمّد بن عبداللّه‏ بن مرّة ، قال : حدّثنا عبداللّه‏ بن محمّد البغویّ قال : حدّثنا علیّ بن الجعد قال : حدّثنا أحمد بن

______________________________

1 . مائة منقبة لأبن شاذان القمّی ، ص 85

وهب بن منصور قال : حدّثنا أبو قبیصة شریح بن محمّد العنبریّ ، قال : حدّثنا نافع ، عن عبداللّه‏ بن عمر بن الخطّاب .>

قال : قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله لعلیّ بن أبی طالب :

«یا علیّ ، أنا نذیر اُمّتی ، وأنت هادیها ، والحسن قائدها ، والحسین سائقها ، وعلیّ بن الحسین جامعها ، ومحمّد بن علیّ عارفها ، وجعفر بن محمّد کاتبها ، وموسى بن جعفر محصیها ، وعلیّ بن موسى مُعَبِّرها ومنجیها وطارد مبغضیها ، ومربّی (1) مؤمنیها ، ومحمّد بن علیّ قائمها وسائقها ، وعلیّ بن محمّد سابرها وعاملها ، والحسن نادبها ومعطیها والقائم الخلف ساقیها وناشدها «إنّ فی ذلک لآیات للمتوسّمین» (2) یا عبداللّه‏» (3) .

[359] وحدّثنا الشیخ أبو الحسن قال : حدّثنی محمّد بن علیّ بن الفضل بن تمام الزیّات ، قال : حدّثنا محمّد بن القاسم قال : حدّثنا عباد بن یعقوب قال : أخبرنا موسى بن عثمان قال : حدّثنا الأعمش قال : حدّثنی أبو إسحاق ، عن الحرث وسعید بن قیس ، عن علیّ بن أبی طالب علیه‏السلام قال :

قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : «أنا واردکم على الحوض ، وأنت یا علیّ الساقی ، والحسن الذائد(4) ، والحسین الآمر ، وعلیّ بن الحسین الفارط ، ومحمّد بن علیّ الناشر ، وجعفر بن محمّد السائق ، وموسى بن جعفر محصی المحبّین والمبغضین وقامع المنافقین ، وعلیّ بن موسى الرضا مزیّن المؤمنین ، ومحمّد بن علیّ منزل أهل

______________________________

1 . فی نسخة ط : مدنی .

2 . سورة الحجر ، الآیة 77

3 . مائة منقبة لابن شاذان ، ص 49

4 . فی نسخة ط : الزاید .

الجنّة فی درجاتهم ، وعلیّ بن محمّد خطیب شیعته ومزوّجهم الحور العین ، والحسن بن علیّ سراج أهل الجنّة ، یستضیؤون به ، والمهدیّ شفیعهم یوم القیامة حیث لا یأذن اللّه‏ إلاّ لمن یشاء ویرضى» > (1) .

فصل

ومن نقل العامّة ـ أیضا فی النصّ على الأئمّة علیهم‏السلام ـ ما رواه محمّد بن عثمان الذهبیّ قال :

[360] حدّثنا عبداللّه‏ بن جعفر بن محمّد الرقّیّ قال : حدّثنا عیسى بن یونس ، عن مُخالد ، عن الشّعبیّ عن مسروق قال : کنّا عند ابن مسعود فقال له رجل : أَحَدَّثَکُم نَبیُّکُم صلى‏الله‏علیه‏و‏آله کم یکون بعده من الخلفاء ؟ فقال له عبداللّه‏ : نعم وما سألنی عنها أحد قبلک ، وإنّک لأحدث القومِ سنّا ، سمعته صلى‏الله‏علیه‏و‏آله یقول : «یکون بعدی من الخلفاء عدّة نقباء بَنی إسرائیل (2) اثنا عشر خلیفة کلّهم من قریش» (3).

[361] وروى عثمان بن أبی شیبة وأبوسعید الأشجّ وأبو کریب ومحمّد بن عجلان وعلیّ بن محمّد وإبراهیم بن سعید جمیعا ، عن أبی اُسامة عن مخالد عن الشعبیّ ، عن مسروق مثل الأوّل بعینه .

وروى أبو اُسامة عن الأشعث عن عامر الشعبیّ عن عمّه قیس بن عبداللّه‏ عن عبداللّه‏ بن مسعود مثل ذلک .

[362] ونحوه رواه حمّاد بن زید ، عن مُخالد عن الشعبی ، عن مسروق ، عن

______________________________

1 . مائة منقبة لابن شاذان ، ص 47

2 . فی نسخة ط : نقباء موسى علیه‏السلام .

3 . الغیبة للنعمانی ، ص 116 و 117 ؛ الغیبة للشیخ الطوسی ، ص 89 ؛ منشورات بصیرتى قم سنة 1408 ه ق ؛ الخصال ، ج 2 ، ص 468 و 469

عبداللّه‏ ، وزَاد فیه ، قال : کُنّا جلوسا عند عبداللّه‏ یُقرئنا القرآن فقال له رجل : یا أبا عبدالرحمن ، هل سألتم رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : کم یملک أمر هذه الاُمّة خلیفة من بعده ؟>

قال له عبداللّه‏ : ما سألنی أحد عنها مذ قدِمت العراق سألنا رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله فقال : اثنا عشر عدّة نقباء بنی إسرائیل (1) .

[363] وما رواه عبداللّه‏ بن اُمیّة ـ مولى أبی مجاشع ـ عن یزید الرقاشیّ ، عن أنس بن مالک قال : قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : «لن یزال هذا الدین قائما إلى اثنی عشر من قریش فإذا مضوا ماجت الأرض بأهلها» (2) .

[364] وما رواه أبو بکر بن خثیمة ، عن علیّ بن الجعد ، عن زهیر بن معاویة ، عن زیاد بن خثیمة ، عن الأسود بن سعید الهمدانی ، قال : سمعت جابر بن سمرة یقول: سمعت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله یقول : «یکون بعدی اثنا عشر خلیفة کلّهم من قریش. فقالوا : ثمّ یکون ماذا ؟ فقال : الهَرج» (3) .

ورواه سمّاک بن حرب وزیاد بن علاقة وحصین بن عبدالرحمن ، عن جابر بن سمرة ، عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله .

[365] وما رواه سلیمان بن أحمد قال : حدّثنا أبی عون ، عن الشعبیّ عن جابر بن سمرة ، عن النبیّ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله قال : «لا یزال أهل هذا الدین ینصرون على من ناوأهم إلى اثنی عشر خلیفة» فجعل النّاس یقومون ویقعدون ، وتکلّم بکلمة لم أفهمها ،

______________________________

1 . کتاب الغیبة للنعمانی ، 117

2 . مناقب آل أبی طالب ، ص 53 ـ 290

3) کتاب الغیبة للنعمانی ، ص 122 ؛ الغیبة للطوسی، ص 88 ؛ الخصال، ج 2، ص 472 ؛ مناقب آل أبی طالب، ج 1، ص 290 و 291

فقلت لأَبی ولأَخی : أیَّ شیء قال ؟ فقال قال : کلّهم من قریش» > (1) .

[366] وروى أبو عوانة ، عن عبدالملک ، عن عمر بن جابر بن سمرة وفطر بن خلیفة ، عن أبی خالد الوالی ، عن جابر بن سمر ، مثل ذلک .

[367] وما رواه سهل بن حمّاد ، عن یونس ابن أبی یعقوب قال : حدّثنا عون بن أبی جحیفة ، عن أبیه قال : کنّا عند رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله وهو یخطب وعمر بین یدیه فقال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : «لا یزال أمر اُمّتی صالحا حتّى یمضی اثنا عشر خلیفة کلّهم من قریش» (2) .

[368] وما رواه اللیث عن سعد ، عن خالد بن یزید ، عن سعید بن أبی هلال ، عن ربیعة بن سیف قال : کنّا عند شقیق الأصبحیّ فقال : سمعت عبداللّه‏ بن عمر یقول : سمعت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله یقول : «یکون بعدی اثنا عشر خلیفة» (3) .

فصل

فهذا طرف ممّا روته العامّة فی النصّ على الأئمّة علیهم‏السلام وتسمیتهم وعدّتهم وذکر استخلافهم .

وهو وإن حمله الآحادُ منهم ولم یشتهر بینهم ویتواتر على ألسنتهم ، وقد وافقوا فیهم المتواترین بمثله ، ولاءموا المحقّین فی حمله ، ووجبت به علیهم الحجّة ، ونبهوا به على الحجّة .

فأمّا النصّ على الأئمّة صلوات اللّه‏ علیهم فی الجملة من غیر تعیین بتسمیة ولا ذکر عدّة ، ففی أحادیث العامّة منه ما لا یحصى کثرةً ، والحمد للّه‏ .

______________________________

1 . الغیبة للطوسی ، ص 88 ؛ الخصال، ج 2، ص 47 ، البحار، ج 36، ص 237

2 . مناقب آل أبی طالب ، ج 1 ، ص 291

3 . الغیبة للطوسی ، ص 89

فصل(1)

من النصّ على الأئمّة صلوات اللّه‏ علیهم وسلامه ، المنقول عن المتقدّمین قبل بعثة النبیّ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ، ومن ذلک ما هو الیوم موجود فی السفر الأوّل من التوراة فی بشارة اللّه‏ تعالى خلیله إبراهیم لولده إسماعیل علیه‏السلام حیث قال بعد ذکر إسحاق :

«وأمّا إسماعیل فقد سمعت دعاءک فیه ، وقد بارکتهُ وسأُثمِّره وأکثِّره جدّا جدّا ، وأجعل منه اثنی عشر شریفا یولد ، وأَجعله حزبا عظیما» .

وهذا نصّ واضح من اللّه‏ تعالى على ساداتنا صلوات اللّه‏ علیهم ، وإبانة عن تشریف منزلتهم وعلوّ قدرهم ، ووجوب رئاستهم ، ألا ترى أنّ رتبة التعظیم والتشریف المخصومة بهذه العدّة المنصوصة غیر موجودة إلاّ فی ساداتنا ـ صلوات اللّه‏ علیهم ـ من بین جمیع ولد إسماعیل علیه‏السلام ، ولا نعلم اثنی عشر یدّعون ذلک فی أنفسهم ولا یدّعی لهم سواهم ، ولا لمنتظرین یکونون بعدهم فیقع الإشکال فی أمرهم ، فإن لم یکونوا هم المعنیین بذلک بما ظهر من فضلهم ، واشتهر من علوّ قدرهم لم یکن للوعد إنجاز ولا للبشارة ثمرة و [حاشا] للّه‏ تعالى أن یخلف وعده ، أو یبشّر خلیله بما لا یفعله .

فصل

وقد احتجّ بهذا من التوراة جماعة من شیوخنا رَحمهم اللّه‏ ، ووقف عن الاحتجاج جمع من الشیعة .

أما علمت عذر المتوقّف عن الاعتماد علیه مع إیضاحه وبیان ما یقتضیه ، إلاّ ما لعلّه یخافه من معارضة الخصوم له بأولاد ذکر أنّهم کانوا لإسماعیل علیه‏السلام عدّتهم هذه العدّة ، وهم مسمّون فی التوراة ، فیقولون له : إنّ الوعد قد وفّاه اللّه‏ تعالى

______________________________

1 . فی المرعشیّة (باب) .

بأولئک الأولاد لإبراهیم علیه‏السلام لمّا کملت فیهم العدّة على تمام ، وأنت فی ادّعائه سواهم مفتقر إلى دلیل وبیان .>

فأقول واللّه‏ الموفّق للصواب :

إنّ هذا الاعتراض عندی غیر صحیح ؛ لأنّ وعد اللّه‏ سبحانه لخلیله صلى‏الله‏علیه‏و‏آله لم یکن مقصورا على أن یجعل لابنه إسماعیل علیه‏السلام اثنی عشر ولدا فقط ، ولا کان هذا ابتداء ما وعد بل کان الوعد قبل ذکره للأولاد بأمر جلیل من تثمیر وتکثیر ، حیث قال : (وسأُثَمِّره وأَکثِّره جدّا جدّا) .

وقیل : إنّ معناه کثیرا کثیرا لسادتنا ـ صلوات اللّه‏ علیهم ـ بذلک اللّسان . وعلى أیّ الحالین کان فقد بطل الاعتراض .

فصل

وقد کان أَحد المسترشدین عند سماعه معنى هذا الکلام ، قال لی : کیف یصحّ لک أن تحتجّ بشیءٍ ممّا فی التوراة وهی منسوخة بشرع الإسلام ، وقد اعترضها ما لا یشکّ فیه من الزیادة والنقصان ؟

فقلت له : اعلم أنّ النَّسخ إنّما یکون فی الأوامر والنواهی دون الأخبار ، لأنّ الأمر والنهی مقرونان بالمصالح ، فإذا اختلفت فی معلوم اللّه‏ عزّوجلّ وجب فیها الاختلاف وکان نسخا فی العبادات . والمخبِر عن شیء کائن فمتى لم یکن المخبَر به ، صار الخبر کذبا ، واللّه‏ منزّه عن ذلک سبحانه وتعالى .

وأمّا التغییر المفترض للتوراة فلیس هو بزیادة دالّة على مجد الإسلام ، وفضل أهل بیت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ، ولا یُتَّهَم الیهود بمثل هذا الحال ، وإنّما الواقع منهم حذف ما هذا سبیله وزیادة ما ینفیه ویضادّه ، فمتى وجدنا فی أیدیهم نصّا على فَضل رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ، أو فضل أهل بیته علیهم‏السلام علمنا أنّ اللّه‏ تعالى صرف القوم عن حذفه وسخّرهم لنقله لطفا للمستدلّ به ، وإن کانوا قد حذفوا أمثاله وکتموا کثیرا ممّا علیهم الحجّة فی الإقرار به ، ولم تقتض المصلحة صرفهم عن حذف جمیعه .>

ألا ترى أنّ الناصبة قد أنکرت أکثر فضائل أهل البیت علیهم‏السلام ولم تنکر جمیعها ، وکتمت معظم مناقبهم ولم تکتم سائرها ، وسخّرت لنقل بعض النصوص علیهم ولم تسخّر لنقلها کلّها . وللمحقّ أن یحتجّ فی حقّه بکلّ دلیل أدّى إلیه ، سواء وجده فی ید من أقرّ به أو فی ید من جحده ، بل احتجاجه بما فی ید خصمه أبلغ فی تثبیت حقّه .

فصل وسؤال

فإن قیل : کیف یتمّ لکم الاستدلال بهذه العدّة المذکورة فی التوراة وهی مقصورة على اثنی عشر ، ومذهبکم یقتضی ثلاثة عشر ، رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله واثنی عشر إماما من بعده ؟ وکیف بشّر إبراهیم علیه‏السلام بهم ولم یبشّره بالنبیّ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله وهو أفضلهم ؟!

فالجواب : أنّه لیس بممتنع أن یکون اللّه‏ تعالى إنّما أفرد نبیّه صلى‏الله‏علیه‏و‏آله عن عدد الأئمّة علیهم‏السلام لما خصّه اللّه‏ تعالى به من منزلة النبوّة والرسالة ، وجمع الأئمّة علیهم‏السلام دونه لما عمّهم به من رتبة الإمامة والخلافة ، فنصّ على عددهم سواه لما شرحناه ، وخصّه مفردا بالذکر فی سائر کتبه لما قدَّمناه (1) ، فقال جَلّ مِن قائل : «الَّذینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الاُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوبا عِندَهُمْ فی التَّوراةِ وَالإنجِیلِ یَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَیَنهَاهُمْ عَنِ المُنکَرِ»(2) .

فعُلم أنّه قد ذُکر صلى‏الله‏علیه‏و‏آله فی کتبهم ، وقول اللّه‏ تعالى أَصدق من قولهم ، وهذا واضح والحمد للّه‏ .

______________________________

1 . فی المرعشیّة : لما بیّناه .

2 . سورة الأعراف ، الآیة 157

فصل

یتضمّن حکایةً ، وجوابا شافیا وإسقاطا للسؤال کافیا ، وهو أنّنی حضرت بمجلس أحد الرؤساء بمصر فجرى خوضٌ فی النصّ على عدد الأئمّة علیهم‏السلام وما ورد من البشارة بهم قبل الإسلام ، فذکرت ما حدث من ذلک فی التوراة ، وهو (1) بشارة لإبراهیم علیه‏السلام إلاّ (2) برسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله والأئمّة علیهم‏السلام من بعده ، فهممت أن أورد ما قدّمته من الجواب .

فقال لی : لا تتعب فإنّی قد نظرت بنسخةٍ قدیمةٍ للتوراة قد عُنی بها ، أخذتها من جهة سکنت إلیها ووثقت بها ، یتضمّن الفصلُ منها أنّه سیولَد لإسماعیل علیه‏السلام کثیرا واثنی عشر عظیما . فسأَلته إحضارها فأحضرها ونقلت الفصل من أوّله على لفظه منها : «وقال إبراهیم للّه‏ لیت إسماعیل یعیش قدّامک فقال لاُمّه : لحقّ لتلدّنّ سارة أمرأتک غلاما وتدعو اسمه اسمی ، وواثقه میثاقا هو وخلفه من بعده إلى الدهر ، وفی إسماعیل قد سمعت دعاءک وبارکته وکثّرته جدّا ، ویلد کبیرا واثنى عشر عظیما ، وأعطیته شعبا جلیلاً»(3) فقوله قبل ذکر الاثنی عشر : ویلد کبیرا إنّما عنى به سیّدنا رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله الذی هو أکبر ولد إسماعیل علیه‏السلام قدرا وأعظمهم ذکرا ، وبه أعطى اللّه‏ جلّ وعزّ إسماعیل شعبا جلیلاً .

______________________________

1 . فی العبارة نقص لعلّه لا تکون کاملة إلاّ برسول اللّه‏ .

2 . بعد إلاّ وردت کلمة (کاملة) فی غیر محلّها .

3 . و ورد العبارة فی الکتاب المقدس ، التکوین الاصحاح السابع عشر ص 25 بهذا العبارة : «وقال ابراهیم للّه‏ لیتَ اسماعیل یعیش امامک ، فقال اللّه‏ بل سارة امراتک تلد لک ابنا وتدعو اسمه اسحق . واقیم عهدى معه عهدا ابدیا لنسله من بعده . واما اسماعیل فقد سمعتُ لک فیه .ها أنا أبارکه واثمره واکثّره کثیرا جدّا ، اثنى عشر رئیسا یلد واجعله امة کبیرة ولکن عهدى أقیمه مع اسحاق الذی تلده لک سارةُ فی هذا الوقت فی السنة الآتیة» .

وهذا دلیل على أن الاثنی عشر المذکورین بعد کبیرهم الأئمّة من آل محمّد صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ، ولیسوا أولاده المتقدّمین قبل وجود النبیّ ، وقد سألت أحد الیهود عن هذه النسخة من التوراة ، فقال : هذه النسخة من التوراة التی کانت للیونانیّین وقلّ ما توجد فی أیدینا ، ویقال لها : التوراة العتیقة .

فصل

ومن النصّ على سادتنا علیهم‏السلام المتناقل قبل شرع الإسلام ، خبر الهارونیّ الذی نقل شرحه فی روایة الخاصّة ، وما جرى له مع أمیرالمؤمنین علیه‏السلام ، وإخباره بأنّه علم عدّة الأئمّة أوصیاء محمّد علیهم‏السلام من جهة موسى وهارون علیهماالسلام ، وهو بعض ما ذکرناه من وجود الإخبار بهم فی التوراة ویکشف عن صحّة ما اعتمدناه ونظرناه .

فصل

ومن ذلک حدیث الخضر علیه‏السلام ومجیؤه إلى أمیرالمؤمنین علیه‏السلام وسؤاله عن مسائل، وأمره لولده الحسن علیه‏السلام بالإجابة عنها .

فأجاب ، فأعلن الخضر علیه‏السلام بحضرة الجماعة الإقرار باللّه‏ وبرسوله وبأمیرالمؤمنین والأئمّة الاثنی عشر من بعده واحدا واحدا وبأسمائه .

والحدیث مشهور بین الشیعة مجمَعٌ على صحّته عند الطائفة الإمامیّة .

[369] أخبرنا الشیخ المفید أبو عبداللّه‏ محمّد بن محمّد بن النعمان قال : أخبرنا الشیخ أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه وأبو الحسین محمّد بن محمّد بن الحسن بن الولید جمیعا عن محمّد بن یعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عیسى ، عن البرقی ، عن أبی هاشم داود بن القاسم الجعفریّ ، عن أبی جعفر الثانی علیه‏السلام ، قال : أقبل أمیرالمؤمنین علیه‏السلام ، ومعه الحسن علیه‏السلام وهو متکى‏ء على ید سلمان الفارسیّ رضى‏الله‏عنه ، فدخل المسجد الحرام فجلس ، إذ أقبل رجل حسن الهیأة واللّباس ، فسلّم على أمیرالمؤمنین علیه‏السلام ، فردّ علیه‏السلام فجلس .>

فقال : یا أمیرالمؤمنین أسألک عن ثلاث مسائل فإن أخبرتنی بهنّ علمت أنّ القوم رکبوا من أمرک ما قصر علیهم ، وأن لیسوا بمأمومنین (1) فی دنیاهم واُخراهم ، وإن تکن الاُخرى علمت أنّک و هم شَرَعٌ سواء .

فقال : أمیرالمؤمنین : سلْ عمّا بدا لک .

قال : أخبرنی عن الرجل إذا نام أین تذهب روحه ؟

وعن الرجل کیف یذکر وینسى ؟

وعن الرجل یُشبه ولده الأعمام والأخوال ؟

فالتفت أمیرالمؤمنین علیه‏السلام إلى الحسن علیه‏السلام فقال : أَجبه یا أَبا محمّد ، فأَجابه الحسن علیه‏السلام ...

فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنّک ـ وصیّه والقائم بحجّته ـ وأشار إلى أمیرالمؤمنین ـ صلوات اللّه‏ علیه ـ ولم أزل أشهد بها وأشهد أنّک وصیّه والقائم بحجّته ـ وأشار إلى الحسن علیه‏السلام ـ وأنّه وصیّ أبیه ، والقائم بحجّته بعده ، وأشهد أنّ الحسین بن علیّ وصیّ أبیه والقائم بحجّته بعدک ، وأشهد على علیّ بن الحسین أنّه القائم بأمر الحسین بعده ، وأشهد على محمّد بن علیّ أنّه القائم بأمر علیّ بن الحسین بعده ، وأشهد على جعفر بن محمّد ، أنّه القائم بأمر محمّد بعده ، وأشهد على موسى بن جعفر أنّه القائم بأمر جعفر ، وأشهد على علیّ بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر ، وأشهد على محمّد بن علیّ أنّه القائم بأمر علیّ بن موسى ،

______________________________

1 . فی نسخة المرعشیّة : مأمونین ؛ فی المطبوعة : بملونین .

وأشهد على علیّ بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد بن علیّ بن موسى وأشهد على الحسن بن علیّ ، أنّه القائم بأمر علیّ بن محمّد ، وأشهد أنّ رجلاً من ولد الحسن ، لا یُکنّى ولا یسمّى حتّى یُظهر اللّه‏ أمره فیملؤها عدلاً کما ملئت جورا .>

والسلام علیک یا أمیرالمؤمنین ورحمة اللّه‏ وبرکاته ، ثمّ قام ومضى .

فقال : أمیرالمؤمنین لوَلده الحسن علیهماالسلام : یا أبا محمّد ، اتّبعه وانظر أین یقصد ، فخرج الحسن بن علیّ علیه‏السلام فی طلبه .

فقال : ما کان إلاّ أن وضع رجله خارجا من المسجد فما دریت أین أخذ من أرض اللّه‏ فرجعت إلى أمیرالمؤمنین علیه‏السلام فأعلمته .

فقال : یا أبا محمّد ، أتعرفه ؟

قلت : اللّه‏ ورسوله وأمیرالمؤمنین أعلم .

فقال : هذا الخضر علیه‏السلام » (1) .

وهذا الحدیث شاهد بأنّ الخضر علیه‏السلام کان عالما بالأئمّة علیهم‏السلام ومنازلهم عارفا بعددهم وأسمائهم مقرا بإمامتهم متقرّبا إلى اللّه‏ تعالى بهم ، ولا یکون ذلک إلاّ وقد أخذه عن اللّه‏ سبحانه : إمّا بأن ألقاه إلیه أحد ملائکته ، أو سمعه ممّن عارضه من أنبیائه ورسوله ـ صلوات اللّه‏ علیهم وسلامه‏ـ ، فیکون ما فعله من الإعلان بحضرة أمیرالمؤمنین علیه‏السلام تنبیها لمن کان من الحاضرین لم یعرفه ، وتأکیدا على ثبات الحجّة على من علمه .

فصل

ومن ذلک خبر قسّ بن ساعدة الإیادیّ الذی رواه عن الجارود بن المنذر

______________________________

1 . کتاب الغیبة للنعمانی ، ص 58 و 59

العبدیّ ، من أنّه کان یذکر رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله والأوصیاء الاثنی عشر من بعده ، ویتقرّب إلى اللّه‏ تعالى بهم ، ویتلهّف على إدراکهم أی یتشوّق إلى رؤیتهم . وکان قسّ سبطا من أسباط العرب مقدّما وحکیما فیهم فَهِما و واعظا محسنا وخطیبا لسنا ، ذا عمر طویل ورأی أصیل ، قد أدرک العلماء المتقدّمین وشاهد الحواریّین ، ونقد الکلام وهذّبته الأیّام .>

[370] أَخبرنا بحدیثه القاضی أبو الحسن علیّ بن محمّد البساط البغدادیّ بالرملة فی سنة عشر وأربعمائة قال : حدّثنی أبو عبداللّه‏ أحمد بن محمّد بن أیّوب البغدادیّ الجوهریّ الحافظ قال : حدّثنی أبو جعفر بن محمّد بن لاحق بن سابق بن قرین الأنباریّ قال : حدّثنی جدّی أبو النضر سابق بن قرین فی سنة ثمانٍ وسبعین ومائتین بالأنبار فی دارنا قال : حدّثنی أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الکلبیّ قال : حدّثنی أبی ، عن الشرقی بن القطامیّ ، عن تمیم بن رغلة المُزَنیّ قال : حدّثنی الجارود بن المنذر العبدیّ وکان نصرانیّا ، فأسلم عام الحدیبیّة وحسن إسلامه ، وکان قارئا للکتب عالما بتأویلها بصیرا بالفلسفة والطبّ ـ ثمّ شرع فی الحدیث بطوله ، ونحن نقتصر على الغرض المقصود منه ـ ذکر وفوده على رسول اللّه‏ فی رجال من عبدالقیس أَتو للإسلام ، وأنّهم راعهم منظره علیه‏السلام فأحصرهم عن الکلام ، وأنّه تقدّم دونهم إلیه وسلّم علیه وأنشده شعره الذی أوّله :

یا نبیَّ الهُدَى أتتکَ رجالُ قطَعَتْ فَدْفَدَا وَآلاً فآلا جاءت البِید والمهامة حتّى غَالَها من طوى السُّرى ما غلا أَنْبَأ الأوَّلون باسْمِکَ فِینا وبأسْماءِ بَعْدَه تتلالى

ثمّ مضى فی حدیثه إلى أن قال : رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : أفیکم من یعرف قسّ بن ساعدة الإیادیّ ؟ فقال : له الجارود :

کلّنا یا رسول اللّه‏ نعرفه غیر أنّی من بینهم عارف بخبره واقف على أمره ، ثمّ أخذ ـ فی صفة قسّ ونعت حکمته ، وعظاته من نظمه ونثره ـ إلى أن قال : کان قسّ یا رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله ینتظر زمانک ویتوکّف إبّانک ، ویهتّف باسمک وأبیک واُمّک ، وبأسماء لیست أحسبها معک ولا أراها فیمن اتّبعک .

قال : الجارود : فقال لی سلمان الفارسی : أخبرنا .

فأنشأت اُحدّثهم ورسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله مستبشر یسمع والقوم سامعون واعون ، فقلت : یا رسول اللّه‏ لقد شهدت قسّا وقد خرج من نادٍ من أندیة إیاد إلى ضحضح ذی قتادٍ وسمرٍ وعتادٍ ، وهو مشتمل بنجادٍ ، فوقف فی أضحیان ، لیلٍ کالشمس رافعا إلى السماء وجهه ، فدنوت منه فسمعته یقول : اللّهمّ ربّ هذه السبعة الأرفعة ، والأرضین المربعة (1) بمحمد والثلاثة المحامدة معه ، والعلیّین الأربعة وسبطیه النبعة الأرفعة ، والسری الألمعة، وسمیّ الکلیم الضرعة ، أولئک النقباء الشفعة والطریق المهیعة ، دَرَسَةُ (2) الإنجیل وحفظة التأویل ، على عدد النقباء من بنی إسرائیل ، مُحاة الأضالیل نُفاة الأباطیل الصادقوا القیل علیهم تقوم الساعة ، وبهم تنال الشفاعة ، ولهم من اللّه‏ فرض الطاعة . ثمّ قال : اللّهمّ لیتنی مدرکهم ولو بعد لأیٍ من عمری ومحیای . ثمّ أنشاء یقول :

مَتَى أنا قَبْلَ المَوْتِ لِلحَقِّ مُدْرِکٌ وإِنْ کان لی مِن بَعْدِهاتیکَ مَهْلکُ وإِنْ غالَنی الدَّهْرُ الخَؤون بِغولِهِ فَقد غالَ مِن قَبْلِی ومِن بَعْد یُوشَکُ فلا غَرْوَ أنّی سالِکٌ مَسْلَکَ الأُولَى وَشِیکا ومَن ذا للرَّدَى لیس یَسْلُکُ

ثمّ أَبَّ یُکفْکِفُ دمعهَ ویرنّ رنین البکرة وقد ترب بتراه وهو یقول :

أَقْسَمَ قَسٌ‏قَسَما لَیسَ بِهِ‏مُکْتَتِما لو عاشَ‏أَلْفَی عُمُرٍ لم یَلْقَ‏مِنها سَأَما

______________________________

1 . فی نسخة ط : الممرعة .

2 . فی نسخة ط بدل ورثة .

حَتّى یُلاقِی أَحْمَدا والنُّقَباء النُّجَبا هُم أَوْصیاءُ أحمد أَکرم مَن تَحت السَّما تَعْمَى‏العِبادُ عَنْهُم وَهْوَجَلاءٌ لِلعَمَى لَسْتُ بِناسٍ ذِکْرَهُم حَتّى‏أَحُلَ‏الرَّجَما

قال الجارود : ثمّ قلت : یا رسول اللّه‏ أَنبئنی ـ أنبأک اللّه‏ الخیر ما هذه الأسماء التی لم نشهدها وأشهدنا قسّ ذکرها .

فقال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله : یا جارود ، لیلة اُسری بی إلى السماء أوحى اللّه‏ عزّوجلّ إلیَّ : سل من أرسلنا قبلک من رسلنا على ما بعثوا .

فقلت : على ما بعثتم ؟ قالوا : على نبوّتک ، وولایة علیّ بن أبی طالب والأئمّة منکما . ثمّ عرّفنی اللّه‏ تعالى بعدّتهم وبأسمائهم وذکرهم رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله للجارود واحدا واحدا إلى المهدیّ صلوات اللّه‏ علیهم .

وقال له : «قال لی ربّی تبارک وتعالى : هؤلاء أولیائی ، وهذا المنتقم من أعدائی» یعنی المهدیّ علیه‏السلام .

قال الجارود : فقال لی سلمان : یا جارود ، هؤلاء المذکورون فی التوراة والإنجیل والزبور ، قال : فانصرفت بقومی وأنا أقول :

أَتَیْتُکَ یابنَ آمِنَة رَسُولاً لِکَی بِکَ أَهْتَدِی نَهْجَ السَّبِیلا فَقُلْتَ فکانَ قَولُکَ قَوْلَ حَقٍّ وصِدْقٍ ما بدا لَک أَنْ تَقُولا وبَصَّرْتَ العَمَى مِن عَبْد قیس(1) وکلاًّ کان من عَمَهٍ ضَلِیلاً وأَنْبأناکَ عن قَسّ الإیادِی مقالاً فیکَ ظلت به جَدِیلاً

وأَسماء عمت عنّا فآلَتْ إِلى عِلْمٍ وکنتُ بها جَهُولاً(2)

______________________________

1 . فی نسخة ط : شمس .

2 . مناقب آل أبی طالب ، ج 1 ، ص 287 و 288 لابن شهرآشوب المتوفّى سنة 588، کتابفروشى مصطفوى ـ قم.

فصل

وَعِلمُ قسّ بحال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله قبل بعثته ، وبالأئمّة الأوصیاء صلوات اللّه‏ علیهم من بعده ، وعددهم وأسمائهم ومنزلتهم عند اللّه‏ تعالى وعِظم شأنهم ، وما کان لیحصل له إلاّ بسماعه من أنبیاء اللّه‏ سبحانه وأوصیائهم صلوات اللّه‏ علیهم ، أو من صحیح الکتب وثابت الآثار المنقولة عنهم ، وشهادة سلمان الفارسیّ رضى‏الله‏عنه بمثل ذلک ـ وقد کان معمّرا ـ یؤکّد ما ذکرناه ویوضّح ما قلناه والحمد للّه‏ .

وإذا کانت النصوص على ساداتنا صلوات اللّه‏ علیهم متناظرة والأخبار بعددهم وأسمائهم قبل وجودهم متظاهرة ، وقد ذکرهم اللّه‏ فی الکتب السالفة، وأعلمت الأنبیاء علیهم‏السلام بهم الاُمم الماضیة ، ونقل النصّ علیهم من رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله المخالفِ والمؤالف ، ونطق بفضلهم وشرف قدرهم الجاهل والعارف ، ووجدت العدّة فیهم من غیر انخرام ، وحصلت الأسماء المنسوبة إلیهم عن الترتیب والنظام ، وتکاملت فیهم الصفات التی تشهد العقول بأنّها لا تجتمع إلاّ فی نبیّ أو إمام ، کان ذلک کلّه أَوضح دلیل وبرهان وأفصح حجّة وبیان ، على أنّهم بعد النبیّ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله أئمّة الزمان ، وحجج اللّه‏ على الإنس والجانّ .

وقد وفیت بما وعدت فی أوّل الکتاب وضمنته بما یقنع ببعضه أولو الألباب ، والحمد للّه‏ الموفق للهدایة والإرشاد ، وصلّى اللّه‏ على خیرته من جمیع العباد ، سیّدنا محمّد خاتم النبیّین وآله الطاهرین ، وسلّم تسلیما کثیرا کثیرا(1) .

______________________________

1 . فی نسخة المجلس الشورى الإسلامیّ: فرغ من سمعه فی یوم السرور الموافق لسادس عشر من شهر ربیع الأوّل من شهور سنة ستّین وتسعمائة فی المشهد المقدّس الغرویّ على مشرّفه ألف ألف صلاة وسلام من اللّه‏ العلیّ العالی سنة 960 .

 

تبلیغات